قبل ان تدور عجلات سيارتي منطلقة نحو محافظة شمال الشرقية عبر طريق وادي العق كانت قد تحفزت لدي ذكريات الماضي التي تسبق الاستعداد للسفر بدء من البحث عن الراحلة واختيار الرفيق ومعرفة مسار الطريق وما قد تعتريه من المخاطر والضيق.
أثار ذلك الشعور الاستغراب في نفسي فليست المرة الاولى التي أذهب فيها الى محافظتي شمال وجنوب الشرقية من السلطنة فلماذا ينتابني الحنين للحديث عن السفر في السنين الخوالي .
اخذت الذكريات عندي تتوالى عن مشقة الاسفار قبل ظهور وسائل النقل الحديثة حين كانت التنقلات في البر تنحصر في النوق والحمير والخيول القليلة العدد.
وما زلت استذكر كيف ان سعر الحمار قد وصل الى مائة قرش فرنسي مصنوعة من الفضة والتي يمكن ان تكون سعر بستان في ذلك الزمان .
ويذكر لي احد كبار السن كيف انهم قد ربحوا من تربية الحمير وبيعها أموالا كبيرة حتى ان قيمة حمار غير مركوب بعد ، عمره لا يتجاوز ستة أشهر قد وصل خمسين قرش فضة ، ولم يكن هذا الحال في القرون الماضية بل قبل اقل من ستين عاما من كتابة هذه الاسطر اي قبل فجر النهضة .وربما السنين الاولى منها لعدم وجود الطرق الصالحة لاستخدام السيارات.
لقد سرح بي الخيال في الكتابة مثلما فعل معي في توالي صور الماضي ومع دخولي وادي العق الذي بات الناس يعتبرونه اليوم من الطرق الضيقة والخطيرة استذكرت حكاية حدثني بها احد الاخوة ويدعى صالح إبان وجودي في ولاية القابل حين كان الحديث بيننا يدور حول صعوبات السفر وكيف ان الحال هكذا قد تغير مع انبلاج فجر النهضة المباركة .
يقول صالح انه حين بدات السيارات تدخل السلطنة كان ابناء الشرقية تواقون لان يتحولوا من السفر على الركاب والحمير الى السيارات فاخذوا يمهدون الطريق في وادي العق بازاحة الاحجار الكبيرة التي يستحيل على السيارة تجاوزها ولذلك كان دخول اول سيارة الى المنطقة الشرقية عبر الوادي يعد حدثا تاريخيا غير عادي ولا يعني ذلك ان السيارات كانت تقطع الوادي في دقائق مثلما نشاهد اليوم بل تستغرق يوما كاملا ان لم تصب بالعطل او لم تتعرقل بفعل جريان المياه .
ويذكر لي صالح انه في مرة من المرات قد علقوا في وادي العق بفعل تهتك إيطار السيارة لمدة أسبوع نفد خلالها الزاد الذي يحملونه حتى كاد ان يلحق بهم الجوع.
وفيما انا لا ازال اقطع الوادي قبل وصولي الى منطقة الجرداء والسيارات تتقاطر وتجري بسرعة لا تقل عن ثمانين كيلو متر في الساعة كان العديد من الفتية يخاطرون بانفسهم متجاوزين عددا من السيارات في طريق لا يستغرق قطعه اليوم اكثر من ربع ساعة وكم من مرة راينا بام اعيننا إمكانية تصادم سيارتين وجها لوجه ، إلا ان عناية الله سبحانه وتعالى شاءت ان لا يحدث مكروه لاولائك الشباب ، فقلت سبحان الله لو ان كبار السن يتحدثون الى الشباب ويذكرون لهم جانبا من معاناتهم التي مرت عليهم قبل وجود هذه المنظومة الرائعة من الطرق التي طالعتنا مع تخلصنا من الوادي مباشرة بستة مسارات في الجانبين وباحدث المواصفات العالمية لربما اسهموا في التقليل من حوادث السير التي تودي بعدد كبير من اروع شباب الوطن وبناة مستقبله .
وها نحن نقطع الجرداء لتتبادر امامنا جسور عديدة على اروع ما يمكن ان تكون عليه التصاميم الى واديي محرم وعندام ووادي الطائيين ثم الى المضيبي
ووادي قفيفة والعديد من الجسور في ولاية إبراء.
لقد كانت رحلتنا الى محافظة شمال الشرقية فرصة جميلة لنشهد مشروعا عملاقا كان يوما محض خيال لدى القادرين على التخيل فيما كان كثيرون يراهنون على عدم تنفيذه خاصة بعد تنفيذ طريق قريات صور الساحلي ، إلا ان الارادة السامية لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله شاءت ان تكون اماني العمانيين حقايق يعيشونها ليست في محافظتي الشرقية فحسب بل على كل شبر من ارض عمان الغالية ، ادام الله عليه نعمة الصحة و البسه ثوب العافية وأطال في عمره وحفظ الله عمان وشعبها تحت ظل وارف من الامن والامان والطمئنينة والسلام والرخاء والوآم . اللهم آمين .
أحدث التعليقات