مقولة ترسخت في الأذهان أن بعض الرسوم تفرض لدخول بعض الأماكن كالحدائق والمواقع التراثية والمحميات ، نظير خدمة تقدم ، إضافة إلى ما تشكله تلك الرسوم من دخول إضافية لخزينة الدولة.
فما الذي تقدمه الجهات المعنية في محمية سلاحف رأس الجنز من خدمة لزائريها؟
ليلة البارحة ذهبنا الى المحمية بعد انقطاع طويل دام خمسة عشر عاما ونيف ، وأنا في طريقي إلى موقع إدارة المحمية لأخذ موعد الدخول لمشاهدة من أعزهن الله في زمن إذلال البشر بين هلالين (*السلاحف*) تخيلت أموراً كثيرة قد حدثت في تقديم الخدمات للزائرين بعد سنوات طويلة مرت لا سيما بالنظر الى ارتفاع رسوم الدخول من نصف ريال للفرد الواحد من العمانيين الى ثلاثة ريالات ومن ثلاثة ريالات لغير العمانيين الى سبعةريالات أو أكثر.
وصلنا الى مكان الاستقبال فأعجبنا المبنى الأنيق ولكنه مع الاسف خال من المقاعد فلا توجد قاعة لانتظار الأفواج الزائرة الى هناك في الليالي المظلمة ، رغم قلة عدد الافراد في كل دفعة التي قد تصل الى عشرين دفعة
لكن إن زادت الدفعة على عائلتين مكونة من عشرة أفراد لن تجد مقاعد تجلس عليها.
أخذنا تذاكر الدخول وبقينا متسمرين وقوفا قبل أن يؤذن لنا بالخروج من المبنى باتجاه البحر في ظل إجراءات تشبه الدخول على كبار المسؤولين أعزهم الله.
وللقائمين على المحمية في ذلك كل الحق إن أريد لتلك السلاحف أن تظل ترتاد ذلكم الشاطي لكن مالا يقبله منطق أن يمشي الانسان على الأقدام مسافة تصل الى ثلاثة كيلومتر ، عوائل ، نساءبأطفالهن يمشون كالمشردين الى أن يصلوا الى موقع ارتياد السلاحف في الشاطي الذي لا يزيد على نصف كيلو على أكثر تقدير.
لقد شرعنا في المشي كغيرنا ونحن نشاهدالأطفال متحمسين في بداية خطواتهم الأولى لرؤية *سلحفوه* حسب نطقهم ، ولكن ما إن قطع الأطفال نصف المسافة أو أكثر أخذ حماسهم يفتر نتيجة الشعور بالتعب من المشي ، والغريب في الأمر أن المرشدين يقسمون المسافة بينهم كل واحد يأخذ جزء ثم يسلمنا الى زميله ليواصل بنا المسافة التي تليها وهكذا حتى وصلنا ، وهم معذورون في ذلك ، فالمسئلة باللهجة العمانية (*شغلةدوم*) .
تشرفنا برؤية سلحفاتين تجثمان على الرمال بعد أن فرغتا من البيض وفق ما يقول المرشد ، ولم يكن مكوثنا بعدها مسحورين برؤيتهن ولكن لإراحة أقدامنا من المشي ، حاملين هَمَّ الأطفال ، فقد خارت قواهم ولم يعودوا قادرين على قطع مسافة العودة مشيا ، فكان على الأبوين حمل الأطفال في *لا طريق* ولا *رؤية بصرية واضحة*.
قد يقول من يقرأ هذا المقال
بلهجة عمانية *غايته عليكم مو سايرين تحجو هناك؟*
نعم ذهابنا الى هناك يخدم أهدافا كثيرة نريد من أبنائنا أن يعرفوا جغرافية بلدهم وخصائصها المتنوعة ومكوناتها الطبيعية وخزينها الاقتصادي وثقافتها المتعددة ، بل وتوثيق انتمائهم وارتباطهم بوطنهم ، كل ذلك لن يتأتي إلا من خلال الوقوف على مكامن قوة بلدهم الراسخ في التاريخ رسوخ جباله الشماء والمتسع رحابة كتساع بحاره وشواطيه .
فما هو المطلوب من القائمين على ادارة المحمية؟
نتمنى على إدارة محمية السلاحف إجراء بعض التحسينات في كيفية الوصول الى الشاطي ، فتوفير أداة نقل هادئة من مثل الحافلات التي تنقل الركاب في المطارات تنقل الزائرين الى آخر المكان الصلب من شأنه أن يخفف عناء ومشقة الوصول ليترجل بعدها الزوار مشيا على الرمال .
ولقد يقول قائل أن ذلك سيزعج السلاحف ، والجواب على ذلك ، كلا فما تزال هناك مسافة تصل الى كيلو ، وبذلك سيختصر على الاسر بأطفالها مشي أربعة كيلو متر ذهابا وعودة.
ثم إن ذلك من شأنه أن يخفف على السلاحف بقاء الزوار
مدة طويلة ويعطيها فترة اطمئنان أطول ليس كالحال القائم الذي يستغرق الزائر مكوثه ساعة بجوار السلحفاة بين تمتعه برؤيتها وطلبا للاستجمام والراحة بعد عناء المشي.
إنشاء قاعة انتظار خارج ادارة الاستقبال تزود بشاشة عرض تتحدث عن دورة حياة السلاحف واختيارها لشواطي رأس الجنز والأسباب التي تميز الشاطي عن غيره ، لأن المرشدين لا يؤدون تلك المهمة الضرورية لاستكمال حلقات المعرفة المطلوبة .
*التوازن البيئي*
وأخيراً هناك تساؤلات لا يملك الاجابة عليها الا المختصون بالتوازن البيئي وهي :
أين يقع التوازن البيئي من العناية بالسلاحف وتهيئة الضروف المناسبة لوضع بيضها
وبين ترك صغار السلاحف لتلقى مصيرها المحتوم بالانقراض؟
بمعنى آخر كيف نضع كل الضوابط التي تمنح السلاحف وضع بيضها حتى أننا نخفي لحظة بيضها عن الناس القادمين لرؤيتها، ثم نترك الالاف منها إما تائهة في الصحراء او تتلقفها سرطانات البحر بمجرد وصولها وحتى قبل ملامستها لماء البحر ؟
إذا كان التوازن البيئي يتحقق بترك كل كائن يأخذ دور حياته الطبيعية فلماذا كل هذا ؟
يقول المرشد أنه من كل ألف سلحفاة تعيش واحدة أو اثنتان
بتدخل الانسان وبغير تدخله ، ذلك ما يعنيه التوازن البيئي.
فإن كان هناك خلل في التوازن ليس في مصلحة السلاحف فلماذا لا يتم نقل نسبة معينة من صغار السلاحف الى البحر
لفترة ، ترجح كفة اعادة ما فقدته طوال سنوات سابقة؟
هذه مجرد تساؤلات وأماني نرجو أن تجد من يطلع عليها من ذوي الاختصاص . والله الهادي الى سبل الرشاد.
أحدث التعليقات