بينما كان أبي يُمَهِّد الأرض لغرس فسيلة (صرمة) الفرض قبل ستين عاما ، كنت يومها في سن الخامسة ، وقد رأيت أبي يحفر حفرة عميقة ، بينما الصرمة كان حجمها صغيرا ،
سألته باستغراب عن ذلك ، أجابني ستعرف عندما تكبر وتكبر معك الصرمة .
حينما أتم الحفر جاء بكمية من السَّمادْ والتراب من مكان آخر وأخذ يضع الصرمة في وسط الحفرة بإمالة بسيطة اتجاه الجبل ، سألته مرة أخرى لِمَ لَمْ يضعها على شكلها الطبيعي، قال لكي تتحمل شدة الرياح
كون أكثرها تهب على مركز ولاية الحمراء وتأتي من اتجاه الجبل ، أمَّا لماذا الحفرة عميقة
فلكي تظل النخلةُ سامقةً على استقامة ودون انحناء حتى في أشد الرياح عتواً ، وأمَّا الأسمدة والتراب الجديد فذلك يساعد الفسيلة على أن تشب قويةَ البُنْيَةِ منذ نشأتها الأولى ويترتب على ذلك جودة في الثمر وطول في العمر.
وحين أطلَّ مولاي حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم على شاشة التلفاز يوم أمس مترئساً مجلس الوزراء ومصافحا لمن قاموا بأداء القسم أمام جلالته، رأيته وهو مرتكز كالرمح سامق كالنخلة، شامخا كالجبل ، حينها استذكرت حكاية الغرس التي شهدتها مع والدي _رحمه الله_ وأدركت كم هي العناية بالغرس مهمة ،
فلو لم تكن العناية فائقة بتنشئة جلالته منذ الصغر ليكون حامل لواء ملك عظيم، ومسلحاً بالعلم والثقافة الواسعين اللذين أسهما في اتساع فكره ونقاء سريرته وصفاء بصيرته، هل كانت عمان ستكون على هذا النحو من الرفعة والتقدم والاستقرار
لقد كان لجلالته حفظه الله من عاطفة الأمومة ما أسهم في استقرار النفس واطمئنانها ، ومن رجاحة عقل الأب وعلوِّ همَّته ما انعكس على شخصية جلالته القيادية ، ولسعة ثقافته واطلاعه المعرفي والجغرافي أنْ فهم معنى الدولة العصرية التي رسمها خارطة في فكره منذ أول يوم اعتلى فيه العرش وكأنني به يمد بقلمه الشريف على موقع كل مدينة وقرية في السهول والجبال ليحدد لحكومته الأهداف القريبة والمتوسطة والبعيدة حتى بات البعيد قريبا والصعب سهلا والمستحيل ممكنا .
فرحم الله تلكم النفوس ، الرفيعة الشأن ، العالية المقام ، وجزاها الله عنَّا خيرَ الجزاء ، وحفظ الله عمان ونبراسها ، ملهم أجيالها، ماسح آلامها ، ومحقق آمالها ، مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم وألبسه ثوب الصحة والعافية وأطال في عمره وأعاد عليه العيد المجيد وعمان ترفل في عهده بثوب من الرفاه والاستقرار قشيب .. اللهم حقق آمالنا يا مجيب.
غصن بن هلال بن محمد العبري
١٥ / ١١ / ٢٠١٨ م .
أحدث التعليقات