يحلو لي أن أتحدث عن فترة ما قبل السبعين مع افراد أسرتي خاصة حينما ينقطع التيار الكهربائي لفترة ولو بسيطة ، حينها لا إرسال تلفزيوني ولا انترنت يشغلهم عن الاستماع الي وذلك
بغية التذكير لمن قد ينسى والتبصير لمن لم يشهد تلك الفترة وارى أنه من المناسب أن اشرك شريحة الشباب في وطني في بعض مما حدثتُ عنه أسرتي آملا ان يكون له أثر ملموس على نظرتهم لواقع حياتهم المعاصرة.
إن الذي أذكره هنا ليس إلا أنموذجا لا يمثل الا القليل القليل مما رزح تحته العمانيون من أغلال الفكروالسياسية والاقتصاد والحياة الاجتماعية مؤكدا على حقيقة انني أحمل من الذكريات الجميلة لفترة طفولتي لكن ذلك ليس مجال ذكره هنا فانا هنا معني بتسليط الضوء على حقائق غائبة عن أذهان الكثيرين ممن عاصروا العهدين وربما يكون ذلك عن غير قصد .
كلماتي لأسرتي دائما عنوانها فيما قبل السبعين و أصارحكم القول أن أبنائي ينظرون اليَّ والى والدتهم اننا نمثل طرف الحكومة في كل نقاشاتنا رغم أن جدليتي معهم دائما تنصب حول انه ليس هناك من هو معصوم ولكن الاهم ان لا نفقد بوصلة التفكير وان لا نجحف حق الغير وان ندرك انه لولا فضل آبائنا لما كنا اليوم موجودين.
والآن أتمنى ان تتسع صدوركم لسماع ما قبل السبعين.
فيما قبل السبعين كان يمكن إدخال أي شخص السجن فقط لسماعه مذياعا او قيامه بالسماع للموسيقى او قراءة جريدة قد تكون وصلت اليه بالصدفة أو جاء من يشي عليه ولو بكلمة او خرج ليلا دون مصباح في مسقط و بعض الولايات .
فيما قبل السبعين كان النشاط الاقتصادي شبه محظور باستثناء ما يغطي القوت اليومي ويكفي أن نعلم ان شراء مطحنة القمح يستدعي الحصول على إذن خاص من السلطان نفسه. وانه لا يمكن اقتناء السيارات الجديدة على الاطلاق والمحظوظ الذي يستطيع الحصول على إذن لشراء سيارة من التي خرجت من خدمة القوات المسلحة وقد اضطر الذين وفقوا لشراء تلك السيارات لاخذها الى خارج البلاد لصيانتها وواجهتهم صعوبة شديدة للسماح باعادتها الى عمان.
فيما قبل السبعين كان التعليم ينظر اليه باعتباره ترف يناله الموسعون وهم قلة قليلة ويكفي أن يعرف الشخص من القرآن ما يؤدي به صلواته إلا من رحم ربي واستطاع أن يفلت من الشبك.
فيما قبل السبعين كانت السلع المستوردة من أردى الانواع مع قلت المعروض ويكفي ان ندلل على ذلك أن الرز البشاور لا يعرفه الا الحكام والاغنياء القلة فيما يتم العرض في الاسواق لانواع لا طعم لها ولا رائحة .
فيما قبل السبعين اقصى ما يتلقاه المريض من علاج أطعمة واعشاب تنتهي بالكي بالنار وكم هم الذين قضوا نحبهم بسبب التهاب يعتبر اليوم بسيطا او بما يسمى المرض الخبيث وهي الدودة الزائدة.
وكم هي النساء الحوامل التي فارقت الحياة عند حالات الولادة وآلاف الاطفال قد توفوا.
كانت المرأة تلد عشرة أطفال ولا يبقى لها طفل واحد.
وكم هي البيوت التي أغلقت بسبب الامراض الفتاكة من مثل الطاعون والجدري والكوليرا.
فيما قبل السبعين من كان يملك حمارا او جملا فانه بمقياس اليوم لديه لاندكروزر أما الخيول فهي عملة نادرة قل من يقتنيها.
فيما قبل السبعين كانت النساء تحمل ماء الشرب للمنازل على رؤوسهن لمئات الامتار وتقوم باعمال بيتها بنفسها وتربية اطفالها وتساعد الرجل في الحقل .
فيما قبل السبعين من كانت لديه صُفَّةٌ من الطين فهو في مأمن من تقلبات الطقس وكثير من الناس يعيشون تحت الدعون.
فيما قبل السبعين كان القادم الى مسقط ليلا تستهويه رؤية الانارة البسيطة هنا وهناك عبر مولد قوته اقل مما يزود به مركزا صحيا للطواري اليوم ، أما في الولايات فسراج الفتيلة ربما لازال محفوظا للذكرى والذي ما كان يشعل الا للضرورة .
فيما قبل السبعين قليل من الناس الذين يستطيعون توفير ملابس جديدة لصباح يوم العيد.
فيما قبل السبعين قد تقتسم قرية كاملة راس بقر لمناسبة العيد .
كم هي الامثلة التي علينا استحضارها لندرك غزارة النعم التي نسبح فيها والتي يجب علينا المحافظة عليها بالشكر لله سبحانه ثم الاعتراف بالجميل لمن كانوا اول الملبين لنداء الوطن والقائد وشمروا عن سواعدهم لبناء عمان الحديثة جاءوا كالطيور المهاجرة لاعشاشها كل منهم يسبق الآخر يدفعهم فكر القائد وتشد من عزيمتهم ذكرى الفقر والجهل والمرض فتحقق بفضلهم ما يشبه المعجزات وحال اليوم شاهد على صبرهم و تضحياتهم الجسام .
كم من قطرة دم سالت لتحفظ لهذه الارض كرامتها وكم من حبة عرق تساقطت كالدرر لترفع من شأنها ، الأمر الذي يضاعف من حجم مسؤولية شباب اليوم للحفاظ على المكتسب والبناء عليه بروح وثابة ونِيَّةٍ صادقة وعملٍ متواصلٍ وفكرٍ اصيل.
حفظ الله عمان وشعبها وقائدها وأسدى عليهم نعمه ظاهرة وباطنة.
غصن بن هلال بن محمد العبري
أحدث التعليقات