نبذة تعريفية حول لقاء يوم الشواء ثالث أيام العيد بولاية الحمراء
مما لا جدال فيه أن لولاية الحمراء عادات وتقاليدا تمتاز بها دون غيرها من الولايات.
ومن ذلك مثلا جلسة يوم الشواء التي تنعقد ثالث أيام العيدين بسبلة السحماء ويحضرها الوجهاء من الحمراء بالنفس ومن القرى المجاورة التابعة إداريا لولاية الحمراء حاليا.
ومن المعلوم أن الحمراء كانت إمارة تتمتع بادارتها الذاتية إلى بداية السبعينات من القرن الماضي فلم تكن تتبع أي من الولايات فقد كانت تدار من قبل الأمير سياسيا وعلاقته مباشرة بالحكومة سواء كانت حكومة إمام أو سلطان وذلك الأمر منحها أن تشكل لنفسها أسلوب حياة يكاد يكون فريدا في العديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
والمتتبع لخصوصيات إمارة العبريين يجد تنظيما غير عادي على كافة مناشط الحياة ، ولعلنا نجد الوقت الكافي للحديث عن ذلك مستقبلا ، لأن حديثنا هنا مختص عن جلسة الشواء لقربنا من المناسبة ولأن كثيرا من شباب اليوم لا يعرفون كيف نشأت هذه العادة وتأصلت على مدى عشرات السنين وربما قاربت الان قرنين من الزمان.
وما من شك أن إمارة العبريين قويت شوكتها وتبلورت كينونتها منذ تولي أولاد زهران بن محمد بن إبراهيم بن راشد مقاليد المسؤولية فقد مرت قبل ذلك بحالة من الوهن والضعف السياسي والاقتصادي كادت فيه القبيلة أن تصاب بشلل كامل ، ومع تولي الشيخان محسن بن زهران وأخوه محمد بن زهران زمام الأمر ارتفع شأن القبيلة وصار لها صيتا ونفوذا مما أهلها لتقود المنطقة وأضحت رقعة مصالحها تتوسع إلى بلدان بعضها أصبحت الآن تتبع إداريا ولايات أخرى كالرستاق والعوابي وبهلا بل وقد تجاوز تأثيرها إلى قبائل أخرى وصارت تخطب ودها وفي ديوان نور الأعيان وضوء الأذهان للشاعر حميد بن محمد بن زريق بن بخيت النخلي خير دليل على ما احتلته إمارة العبريين من مكانة
ولذلك كان من الطبيعي أن تكون هناك مناسبات تعبر فيها القبائل عن تحالفها وموالاتها لمشيخة العبريين وأكثر ما يتجلى ذلك في المناسبات الدينية والاجتماعية فكان أن أتفق على جعل ثالث أيام العيدين موعدا للمعايدة يأتي إليه وجهاء القرى لسلام العيد وتنويها على استمرار التواصل وفق الأطرالمتعارف عليها.
من المعني بالجلسة؟
مما هو واضح من المنهج الذي قد عايشناه نحن أبناء الستينات والسبعينات أن لقاء الشواء لم يكن يخص الشيخ شخصيا بل كان يحمل طابعا جماعيا لأسرة المشيخة (اولاد زهران) ومن خلالهم لقبيلة العبريين ، يرجح ذلك أن الضيافة التي تقدم في السبلة تأتي من كافة أفرع اولاد زهران وكانت البيوت تتبارى في اختيار مستوى الحلوى وصانعها لكي تنال استحسان الضيوف والدليل الآخر أن زيارة الوفود تحمل طابعا قبليا أنهم حال انتهاء جلسة سبلة السحماء عند الشيوخ ينتقلون إلى سبل فخائذ العبريين سبلة بعد أخرى إلى أن يحين وقت صلاة الظهر ليتناول الضيوف الغداء في منزل الأمير ثم بعد الغداء يعودون إلى قُراهم مكرمين ومشكورين.
ما هي الفترة الزمنية التي تستغرقها الجلسة في السبلة؟
الفترة الزمنية التي تستغرقها جلسة سبلة السحماء ساعتين تقريبا
تبدء عند السابعة صباحا في الصيف والثامنة في الشتاء.
ويكون اول الحاضرين في السبلة الشيوخ اولاد زهران
ولا أذكر أن أحدا من الجماعة كان يسبقهم في السبلة حرصا منهم على استقبال الوفود المهنئة. وكانت تتوافد جموع غفيرة من الحمراء نفسها إلى سبلة السحماء منها للمشاركة في اللقاء ومنها لحضور فتح تنور الشواء الذي يضم كل بيت في الحمراء من الشريعةغربا وحتى مسجد الغوج شرقا وهي المساحة التي كانت تغطيها حارة الحمراء في ذلك الزمن.
وكان من بين الأشياء التي تظهر الحفاوة بالوفود المهنئة الرزفة التي تنطلق من صباح عريش السدرة عند السوق شاقة الطريق بين بيوت الحارة مغربة لتنحدر من صباح النعب متجهة إلى السحماء .
وكانت من أجمل اللحظات حين تستكمل الوفود مصافحتها ليعم الهدوء والسكينة في سبيل سماع أهازيج الرزفة التي يستغرق وصولها منذ بدء سماعها أكثر من نصف ساعة ، ومع ذلك لا يشرع بتقديم القهوة إلا بعد وصول الرزيفة والزفينة وتقديم العازي والتعيوطة وقيامهم بمصافحة الحضور فردا فردا مما ينم عن احترام كبير لهم ولما قدموه فالمسألة ليست تنفيس رأس وإنما كانت لها مغازي ومعاني أخرى تتعلق بقوة القبيلة من خلال الكلمات الحماسية ولمعان السيوف وإطلاق النار في الهواء ثم قبل الختام صيحات العازي الذي تمجد فيه القبيلة وقيادتها والتعيوطة التي تتحدث عن مواقف بطولية لأبناء القبيلة
ثم بعد ذلك يتم تقديم القهاوي واحدة بعد أخرى تتقدم قهوة الشيخ تليها القهاوي الأخرى لتنتهي مراسم الجلسة مع لحظات فتح تنور الشواء لتنتقل الوفود إلى سبل فخائذ العبريين ( السبلة الشرقية ، سبلة الوسطى ، سبلة الغاربي، سبلة العالي ، سبلة الشرامحة.) ومع أذان الظهر يصيح البرغام ( قرن فيل مثقوب بقدر أن ينفخ فيه فيصدر صوتا ) يتم نفخه لجمع الناس سواء كان لوليمة أو استعدادا للزحف.
وما أن تسمع الوفود البرغام حتى تلتقي من كل صوب لتناول وجبة الغداء رز أبيض وشواء ولعل اختيار اليوم الثالث من العيدين للجلسة هو اليوم الملائم لتقديم الضيافة للوفود المهنئة ولكونه آخر أيام العيد والناس يكونون أكثر فراغا.
وفي ثلاثة العقود الأخيرة جرى بعض التطوير على بعض جوانب المناسبة واختصار وقتها إلى ساعة واحدة بحجة عدم وجود الوقت الكافي ، ومع ذلك فإن مجرد الاستمرار في عقد الاجتماع يعد أمرا جيدا في ظل تغير المعطيات وتلاشي العديد من العادات والتقاليد الحميدة بل إن ذلك ينظر إليه باعتباره إنجازا ثقافيا واجتماعيا على مستوى المنطقة.
وإن كانت هناك من ملاحظات يستجوب مراعاتها لاستمرار تلك العادة الحميدة فهي أولا تحسين وضع موقع الاجتماع ليتلائم مع ظروف حالات الطقس فلا تكون سببا في تذمر الحاضرين واستطوالا للوقت.
وثانيا جعل المناسبة فرصة سانحة لإظهار بعض المواهب الشابة في الولاية في فنون الحياة المختلفة
بما يتفق والتاريخ الحافل لمنطقة كدم كالفروسية والمبارزة بالسيف والتجديد في كلمات الرزحة والاستماع إلى محاولات الشباب في جانب الشعر لتكون جلسة الشواء مهرجانا يثري الثقافة ويعزز مكانة المناسبة لدى العقول الشابة التي لم تعد ترى قيمة في مثل اللقاء الشكلي الحالي .
وحبذا لو تشكل لجنة لإدارة تلك الجلسة وفعالياتها الثقافية ويكون لدى الجميع الاستعداد للتضحية ببعض من وقتهم في ذلك اليوم وليعتبروها نزهة في إحدى المجمعات التجارية التي تستغرقه منهم ومن أسرهم ساعات طوال ولا يجدون في ذلك مضيعة لوقتهم .
أحدث التعليقات