قبل أيام أسدل الستار على انتخابات المجالس البلدية في السلطنة التي سُبِقَت باستعدادات كبيرة وحملة إعلامية منقطعة النظير .
فكلنا يستذكركم هي الحلقات التلفزيونية التي تم تسجيلها في ولايات السلطنة ومحافظاتها وكم هي الاسئلة والأجوبة والتوجيهات المباشرة وغير المباشرة التي لو تم إحصاؤها لبلغت المئآت وكأنها تريد ان تقول للمجتمع عليكم التخلي عن الموروث الاجتماعي والقبلي لينصب اهتمامكم بالدولة ، وكأن الدولة كيان آخر من غير المكونات القبلية والعشائرية أو كأن العلاقة بين الدولة والقبيلة علاقة تنافسية او كان المجتمع العماني قاصر ومحتاج للوصاية .
ولست أدري ماهية الإستراتيجية التى كانت تلك الحملة الاعلامية تريد تنفيذها
فقد كانت تشير بوضوح الى رغبتها في التخلص من القبلية والوجاهة وكأن القبيلة والوجاهة تعني الجهل والتخلف
متناسية أن مكونات الشعب العماني في الوقت الذي تتسلح فيه بالمعرفة وتستوعب مفردات العصر الحديث فإنها تعتز بانتمائها القبلي وترى في الجذور عمقا تاريخيا تتميز به دون غيرها من المجتمعات العربية لأنها في ظل القبيلة قد كونت إمبراطوريات ودولا عاشت قرونا عديدة وكانت خلالها تمارس ما يشبه ديمقراطية العصر الحديث .
ما اريد قوله هنا أن تلك التعبية للرأي العام قد أخفقت وذهبت في مهب الرياح ولم تجد شيئا ليس لأن المجتمع لم يصغ إليها أو انه لا يتمتع بالوعي الكافي بل لقناعته أن يبقى على الجذور لأنها الضامن الاكبر له والرصيد الذي لا ينضب .
لقد تابعت نتائج الانتخابات للمجالس البلدية وقبلها لمجلس الشورى ورأيت كيف أنَّ الناخبين قد جمعوا بوعيهم وإدراكهم بين القبيلة والافضل من المترشحين في إطارها.
والدليل على ذلك أننا نلاحظ أن الاعضاء الفائزين في المراكز يأتون وفق موقع القبيلة الاكثر تاثيرا في الولاية .
ولم يكن لتلك الحملات الإعلامية أي تأثير على مسار الانتخابات .
لقد أدرك مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله منذ الوهلة الاولى لتوليه زمام الحكم أهمية الإبقاء على المنظومة القبلية في المجتمع العماني في الإطار الايجابي الذي يخدم كيان الأمة ويقوي لحمتها ويرسخ من انتماء الفرد لأصله ونسبه وأرضه .
وزاد على ذلك حين جرى اول تعداد سكاني للسلطنة وكان جلالته يدلي باسمه معرفا بنفسه وهو غير مجهول فقال ( قابوس بن سعيد بن تيمور آلبوسعيدي ) ، وكم من مرة ردد مقولة ( من ليس له ماض ليس له حاضر )
ليعطي إشارة واضحة على أهمية التمسك بالموروث ليكون منه الانطلاق نحو المستقبل ، ناهيك عن ان الحق سبحانه وتعالى قد ذكر في محكم كتابه الحكمة من التمسك بالأنساب فقال ( : ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ( الآية 13 )
على انه رغم كل ما يمكن ان يقال عن الادوات تبقى الانتخابات ونجاحاتها المتوالية رصيدا وطنيا يشكر عليه القائمون إلاَّ انَّ الإنسان دائما يتطلع الى الأفضل وهم قادرون على تحقيق طموحات المواطنين من واقع مسؤولياتهم ونحسن الظن أنهم قد بذلوا غاية وسعهم وفقهم الله وأحسن إليهم وحفظ الله عمان تحت قيادة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم وايده بنصره.
وأخيرا كما يقال أن الشيء بالشيء يذكر
يحق للمرء أن يتسائل
هل هناك ضرورة ان يتم إجراء انتخابات منفصلة للمجلس الشورى ومجالس البلدية كلا على حدة ؟!
أليس من المناسب دمج الانتخابات في وقت واحد توفيرا للجهد و المال ؟!
ثم هل الاستعداد للانتخابات يحتاج كل ذلك الوقت الطويل ؟!
لقد أجريت عدة انتخابات في السلطنة والمفترض أن يستفاد من تلك التجارب في التقليل من الوقت والكلفة المالية مع كل انتخاب .
إننا نشهد الانتخابات في دول عديدة مليونية العدد ولا تحتاج كل هذا الزمن الذي تستغرقه الانتخابات في السلطنة
فهل هناك من سبب لا يعرفه أمثالي يتطلب البقاء على هذا النحو من البطء في الاستعداد والاستنفار له ؟!
فمما هو معروف أن القانون قد حدد شروط الناخب والمترشح وأصبح لدى السلطنة سجلا مدنيا يلزم كل مواطن الحصول على البطاقة الشخصية التي تحمل في مخزونها كل المعلومات المطلوبة وعلى هذا الاساس يمكن ان يدلي أي مواطن بصوته من خلال بطاقته الشخصية وفي أي مكان ولأي شخص يريده ، طالما ان المترشح سيحدد عن اي ولاية سيترشح ، وستختفي تدريجيا الحاجة الى كل ذلك التعقيد الذي يحول دون المشاركة المطلوبة في الانتخابات.
أحدث التعليقات