في الوقفتين السابقتين تحدثنا عن الارتباط بين الانسان والبيئة وقلنا بأنَّ الانسانية كلها تشترك في العلاقة المادية مع البيئة بيدَ أن الفرد والمجتمع المسلم يجب أن تكون علاقته بالبيئة أوثق من واقع فهمه للتكاليف المنوطة بالانسانية في عمارة الارض كما في قوله تعالى : ( ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير )(62) وقوله تعالى (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)) وفي قوله سبحانه( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ( 41 )(وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ) الآية.
هذه الآيات وغيرها تبين العلاقة بيننا وبين البيئة بل تنبهنا وتدعونا نحن المسلمين الى إقامة علاقة مع البيئة تتسم بالشفافية الى درجة أن تكون البيئة مرآة لاستقامة نهجنا من عدمها وأذكر هنا قصة سمعتها من أكثر من راو وعلى أكثر من صورة ولكن الروايات في مجموعها تصل إلى نتيجة واحدة ، تلك القصة تقول ( إنَّ أحد القادة أو الأيمَّةَ قد خرج يوماً متنزهاً وقد وقف على عين ماء غيلية -أي أنها في وسط الوادي – عرف عن تلك العين أنَّ الطحالب لا تنمو عليها فلاحظ القائد ذاك أن الطحالب قد ظهرت على تلك العين ، فتعجب من ذلك التغير في طبيعة العين مرجعا ذلك التغير الى احتمالية وجود خلل في نطاق مملكته ـ بعد ان لم يجد في البيئة المحيطة أية مؤثرات تجعلها تتغير فأخذ يطوف بأنحاء مملكته مقاطعة بعد أخرى شاكيا من حالة ضعف تواجهه حكومته مناشداً المواطنين في تلك المقاطعات إلى المساهمة في تخفيف العجز في ميزانية دولته ، وكان يفعل ذلك مع كل مقاطعة ينزلها فيجد التجاوب من مواطنيه بل إنَّ بعض المقاطعات عرضت أن تتحمل ما تحتاجه الحكومة دون غيرها ، وإزاء ذلك توقف القائد مع نفسه قائلا إذا كان الناس على هذه الدرجة من الولاء والطاعة والرضى فاين الخلل ؟! ، فاخذ يجتمع بقادة جنده ووزرائه ومستشاريه ويعرض عليهم الأمر كما عرضه من قبل على أفراد شعبه مستقصيا ما يلاحظه من آراء وأفكار يتم طرحها عارضا إياها على ميزان العقل والسياسة آخذا منها خلاصة ما يصلح الامة وتستقيم به أحوالها ليكتشف ان الخلل يكمن في الدائرة الضيقة من وزارائه ومستشاريه فعزل من كان منهم غير جدير بمنصبه وعاد إلى عين الماء فإذا بالطحلب قد اختفى .بعد ان زالت مسبباته ، ومع إنَّ هذه القصة مع من الحكايات الشعبية التي يصعب توثيقها إلا أنها توضح دون شك كيف كانت علاقة الانسان بالبيئة على جميع المستويات وما ذلك إلا فهم للرسالة التي يحملها على عاتقه ، وهي العبادة بمفهومها الشامل (ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( 56 ) ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) جعل السعيَ في الارض بجميع انواعه عبادة باستثناء الفساد فيها .
وللحديث بقية.
أحدث التعليقات