*سمات التشابه والاختلاف بين المُحْسنين*
*الشيخ محسن بن زهران بن محمد العبري*
حين يذكر ذلك الاسم الكبير تتبادر للذهن شخصيتان في قبيلة العبريين عاشا فترتين بينهما ما يزيد على مائةوثمانية عشر عاما ولكليهما شخصية قوية وفكر حاذق وسعة في الأفق وقدرة فائقة على تقبل ومعالجة ما تحيط بهم من أحداث .
ولئن كانت الضروف قد مكنت الشخصية الاولى الشيخ محسن بن زهران بن محمد بن إبراهيم العبري
حتى غدت في عهده بلدة الحمراء
قطب رحى المنطقة الممتدة من العوابي والرستاق شمالا الى عبري غربا وحدود أدم جنوبا وازكي شرقا ، علاوة على العلاقة الوثيقة التي ارتبط بها مع حكام مسقط ، فإنها أي الضروف كانت على العكس تماما مع الشخصية الثانية فقد وقفت في وجه طموح الشيخ محسن بن زهران بن محمد بن سالم العبري ، والسبب في ذلك كما هو معلوم لدى الجميع تراجع النظام القبلي الذي يمكن الفرد في القبيلة من إبراز ذاته وسماته وصفاته ، فتمنحه القبيلة الشهادة التي تؤهله للترقي في مناصب تتناسب وقدراته ، في حين أن النظم العصرية الحديثة تحول دون ظهور الزعامات الحقيقية المستمِدة لقدراتها من مكامنها الداخلية ، وإن ظهر بعض من الشخصيات فانها تكون كالولادة المتعسرة.
ففي حين وجد الشيخ محسن الأول التربة الصالحة لاعادة تنظيم محيطه فإن الشيخ محسن الثاني حالت بينه وبين ما يشتهي مصاعب جمَّة ،
فقبيلة العبريين كانت تبحث عن زعيم ينتشلها من حالة الوهن والضعف و تعاني من قلة في عدد البشر وندرة في العقول المتوهجة والنفوس المتوثبة فنفخ فيها روحا جديدة وأخذ يخطط وينفذ مرئيات يتفتق بها ذهنه ، فيما لم يكن ذلك حال الشيخ محسن الثاني الذي قدر له أن يأتي في زمن تم فيه تقصيص أجنحة الطيور الجارحة المحلقة بفعل سيطرة الحكومات المتلاحقة على السماء والمتصفة في أفضل أحوالها بالمركزية ، فلم يعد لنظام القبيلة قوته وحال قبيلة العبريين كغيرها تغيرت أنماط حياتها وسبل عيشها ، ومع ذلك فقد تمكن الشيخ محسن الثاني من كتابة سجل حافل من الأحداث والمواقف ، اتفقنا أو اختلفنا على صحتها .
ولعله من الصدف الغريبة أن يكون مكان ميلاد الشيخين في بلدة العراقي في ولاية عبري وانتقالهما
الى الحمراء وإن اختلفت المسببات
فقد ولد محسن الاول عام ١٢٢٠ للهجرة وتوفي عام ١٢٩٠ عن عمر وقدره سبعون عاما وفق ما جاء في تبصرة المعتبرين
فيما ولد محسن الثاني عام 1348 هجريةالموافق 1929 ميلادي بفارق زمني قدره مائة وثمانية عشر عاما ، و رغم ذلك أشعركأنه يتتبع خطوات جده لأمه رابعة بنت هلال بن حمد بن محسن( محسن الاول) .
ولكون هذه الأيام قد صدر كتاب سيرة(الشيخ محسن بن زهران بن محمد العبري الثاني) فإنه من المناسب أن نتطرق الى بعض من محطات حياته فيما يشبه رؤوس الأقلام بدءً من طفولته مرورا بعنفوان شبابه وصولا الى مرحلة الكهولة وانتهاء بمرحلة ما قبل التحاقه بالرفيق الأعلى، لتكون بمثابة ملخص لما ورد في الكتاب المرفق.
وهنا أستميح الشيخ محسن بن زهران الاول عذرا على فك ارتباط الحديث عنه لنقف على جانب من سيرة حفيده ولعلنا نعود اليه عند نقطة التقاء نشعر أنها تفيد المهتمين.
*لمحة عن طفولته وصباه*
لقد أشرت فيما سبق عن تاريخ ومكان مولده وما اود هنا إضافته
عن مرحلة طفولته أنه قد توفيت والدته قبل أن يكمل عامه الثاني
فعوضه الله الى جانب والده بثلاثة هم جده الشيخ محمد بن سالم بن بدر العبري وجدته نصراء بنت مانع بن احمد العبرية وعمته زوجة أبيه راية بنت راشد بن خلفان الوائلية ناهيك عن باقي أفراد الأسرة ، فكان له من الرعاية والاهتمام والتربية ما لم ينل غيره في مثل سنه.
وحين جاوز الرابعة عشرة أتيح له
أن يتلقى التعليم على يد أشياخ أجلاء أبرزهم الشيخ العلامة ابراهيم بن سعيد بن محسن العبري وجده الشيخ محمد بن سالم بن بدر العبري مع ثلة من أترابه مما أهله أن يدخل في منافسة تصقل شخصيته
وتظهر عليه صفات التميز بين أقرانه ، فكان أن أحبه شيخه واستاذه الشيخ العلامة إبراهيم بن سعيد العبري فأصبح منه كالظل لا يكاد يفارقه في مجلس او رحلة أو سفر.
*ملازمته للشيخ إبراهيم في عبري*
ولم يكن الشيخ العلامة إبراهيم بن سعيد العبري في حاجة لمن يدله على قدرات تلميذه فقد تكشفت له شخصيته ، كيف لا والشيخ ابراهيم اجتمعت في شخصه صفات القيادة
العلمية والسياسية والدينية ، ولذلك حين تم تعيينه أي الشيخ ابراهيم واليا على ولاية عبري كان تلميذه المحبوب محسن أحد الذين أسند اليهم المسؤولية رغم أنه لم يتجاوز العشرين من عمره ، وهنا يجدر بنا التوقف قليلا لنرى أثر ذلك التعيين على انطلاقة الشيخ محسن في الحياة العملية ، فقد بدأت تتكشف له أسرار فن القيادة
ورآى في نفسه القدرة على تحمل المسؤوليات ، فقادته تجربة وجوده في حصن عبري الى محاولات من قبيل الاستيلاء على حصني العراقي والعينين ، وذلك مما يؤشر على أن الطاقة الكامنة في شخصيته الشابة أخذت تدفعه لإثبات وجوده معتمدا على صفة الشجاعة أكثر من اعتماده على الحكمة والتدبر ، كما يمكننا القول أن البيئة المحيطة به في فترة ما قبل خمسينات القرن العشرين كانت هشة أمنيا وكانت مسئلة الاستيلاء على الحصون والمقابض في غفلة من القائمين عليها من الامور التي تنم عن الشجاعة والاقدام بمعنى أن الشيخ محسن لديه من الدوافع ما يبرر القيام بمحاولاته.
*إنتقاله الى الحمراء*
نحن الان في عام ١٩٥٣ العام الذي سينتقل فيه محسن من العراقي الى الحمراء مع جده الشيخ محمد بن سالم بن بدر العبري وعليه أن يترك كل طموحاته ومخططاته في تلك المرحلة ليبدأ مرحلة أخرى في الحمراء .
*ملازمته للشيخ عبدالله بن مهنا في نزوى*
لم تكد تحط به الركاب في الحمراء
حتى بدأت المناوشات بين نظامي الإمامة والسلطنة في نزوى تلك القضية المعروفة لدى الجميع التي لا حاجة لنا للخوض فيها الا في الجزئية التي تتعلق بصاحب هذه السيرة.
فقد شارك الشيخ محسن مع بني عمه وجماعته القيام في نزوى تحت إمرة الشيخ عبدالله بن مهنا بن حمد
العبري والجميع تحت قيادة السيد طارق بن تيمور.
هناك لمعت مرة أخرى شخصية محسن ، فمع أن في جمع العبريين
من بني عمه من هو أكبر منه في السن الا أن الشيخ عبدالله بن مهنا كان يعينه نائبا عنه في حالة غيابه
عن نزوى ولم يكن ذلك يحدث فقط لأن الشيخ عبدالله يريد ذلك بل كانت تلك رغبة السيد طارق بن تيمور الذي وجد من محسن مبادرات ومواقف نالت إعجابه والصور الميدانية التي تم تداولها قبل فترة تجمع الشيخ عبدالله بن مهنا مع السيد طارق بن تيمور كان محسن رابع شخص على يسار السيد طارق بن تيمور *.(إرفاق الصورة)*
*مرحلة ما قبل السبعين وبعدها*
مما استقر في نفسي أن الشيخ محسن لم يكن عدائيا ولا حقودا
بل كان يكره الخمول والدعة وكانت كل مواقفه يهدف منها التغيير للأفضل حتى تلك التي سبقت عصر النهضة عام ١٩٧٠ كان الهدف منها تحريك المياه الراكدة ، والاعلان عن وجوده كرقم صعب لا يمكن تجاهله ، وليس انحيازا أو عداء مع أحد ، ولذلك كان من أوائل الملتحقين بسلك الولاة بعد التغيير ، وكانت جهوده منصبة في المطالبة بتحسين أحوال المواطن أينما حل وارتحل ، ولم تكن تحده جدر البيروقراطية ، كان ينفذ بشخصيته الى كل مسؤول في الدولة ، وكثيرا ما كان يصطحبني للمقابلات التي يذهب إليها ، وكنت أقف مشدوها أمام ما أسمعه من أحاديث ، كل كلمة منها كانت تزن جبلا ، لم يكن يقبل أن يمر أسبوع أو أسبوعان لا يقابل خلالها مسؤولا
ولم تكن زيارته لمصالحه الخاصة فحسب أو لصياغة علاقات عامة بل كانت لتحقيق أهداف تنموية ونقل مشاعر الشارع لمتخذي القرار.
وكان أشد ما يلفت انتباهي أنه حين يبدأ بالحديث مع المسؤول تخيم على ذلك الشخص حالة من السكون والهدوء كمن أعطي إبرة تخدير.
حتى أن أحد أصحاب المعالي الذين تربطني بهم علاقة عمل قال لي بالحرف الواحد.
يا فلان إنك تذهب مع الشيخ محسن في مقابلات فاريد أن أنبهك الى حقيقة قد لا تكون واضحة لديك وهي ، أن ما يقوله الشيخ محسن لا يستطيع أحد غيره أن يقوله ، والذي يقبل من الشيخ محسن لا يقبل من غيره ، فلا تأخذك العادة الى طريق شائك.
ومع أنني كنت اعرف ما قاله لي
من غير حاجة الى التنبيه منه ، لكن نصيحة صاحب المعالي كشفت لي حقيقة كم هو ثقيل وزن محسن في الدولة، وذلك ما دعاني الى المقارنة بينه وجده محسن الأول وتطابق كثير من الصفات بينهما.
*كلمة قالها عن نفسه*
سألته ذات يوم : ما الذي حققته من خلال تلك الأحداث التي أقحمت نفسك فيها وجلبت لك الكثير من المتاعب؟فأجاب لأدخل التاريخ
وكأني به يراني الان وانا أضع بين ايديكم عنواينا من مسيرة حياته الحافلة بالأحداث والتي لم يحن بعد وقت الحديث عنها لأسباب لا تخفى عليكم ، وعسى أن يحالفنا التوفيق ويطول بنا العمر لنتمكن من رفع الستار عن الكثير الكثير مما قد سمعناه منه شخصيا وليس نقلا عن فلان وفلان.
*الخاتمة*
وأختمُ حديثي بشهادة سمعتها بحق الشيخ محسن بن زهران الثاني من أحد أجدادنا وهو الشيخ سالم بن هلال بن سالم العبري ، فقد سمعته يقول أكثر من مرة : مما حفظناه من الآباء نقلا عن آبائهم عن الصفات التي كان يتحلى بها الشيخ محسن بن زهران بن محمد بن إبراهيم فإن الشيخ محسن بن زهران بن محمد بن سالم العبري يحمل كثيرا من من تلك الصفات ، وسيكون آخر رجالات العبريين البارزين في العصر الحاضر.
ومع عدم التقليل في أي من الاجيال الحاضرة او القادمة فإن ظهور شخصية كمثل محسن بن زهران قد تستغرق قرنا من الزمن ، هذا إنْ تهيئت العوامل المساعدة
والى أن تتحقق أمنية ظهور زعامات جديدة سنبقى نردد قول الشاعر الكبير أبي مسلم البهلاني.
أولئك أشياخي فجئني بمثلهم
اذا جمعتنا يا جرير المجامع
ولست بجاء في الوجود بمثلهم وللقوم شأن في الولاية شاسع
مقال تاريخي
رحمهم الله جميعا